أخر الأخبار

محمود الخولي يكتب: "أم كميل".. وداعا

الكاتب الصحفى محمود الخولى
الكاتب الصحفى محمود الخولى

ظهر الخميس قبل الماضي، إلتقيت وجها لوجه، وعلي غير موعد، أخي في الرضاعة كميل صديق جرس، شماس الكنيسة الأرثوذوكسية بمدينة بنها، بالقرب من منزله بحي المنشية، مسقط الرأس ومهد الصبا ومرعي الشباب حتي سنوات الزواج الأولي، قبل ان أفارقه إلي حي وسكن جديدين، بمنطقة الفيلات.
 
كعادة الأخلاء حين اللقاء بعد عجاف التزاور والتواصل لسنوات، إلا من "رنات الموبايلات"، وكلمات محمولة عبر الهواتف في المناسبات والأعياد، بادرني كميل مازحا: " احنا تحت البيت أهه،اطلع معايا  شوف أمك اللي نفسها تشوفك وسيبك من التليفونات اللي بتوعد فيها بالزيارة وتخلف".
 
 لم أجد مفرا من تلبية دعوة وافقت رغبة ملحة لدي منذ زمن، لولا مستجدات العمل والسكن، حملتني لسنوات عبء المزيد من أعذار الإعتراف بالتقصير، غير أن هذه المرة لم يكن لمبررات الإعتذارعائد من قبول، خاصة وأنني علي بعد أمتار قليلة من منزل أم كميل.
 
نهايته..حين دلفنا الي الشقة، هرول "كميل" إلي المطبخ حيث كانت أمه تعد  فطورها، صائحا في سعادة تنضح أماراتهاعلي  وجهه وفي صوته: " ياماما جايبلك مفاجأة معايا".. ولأن "سمعها تقل" كما نقول إذ أوشكت علي تجاوز العقد الثامن من العمر، لم تجب.. 
     وحين أتم خطواته نحوها، سمعته يعيد الدعوة: "عندنا  زيارة غالية ياماما أخرجي شوفي مين".
 في حركة ثقيلة لجسد محمول علي قدمين تكابدان السير، خرجت أم كميل من المطبخ الي حيث أقف لإستقبال تحيتها، فلما دنت سألتني: انت مين؟
 
ده ابنك "محمود" ياماما،هكذا باغتها كميل بالرد، فانفرجت أساريرها، وبحنين الأم لولدها العائد بعد سنوات من الغربة، استفهمت بلهجتها السوهاجية غير مصدقة تسأل:"مين..حوده؟!"، بكسرالدال، وقبل أن تجذبني لحضنها تقبلني وأقبل جبينها، قالت بخفة ظلها المعهودة: "معلش ياولدي العتب علي النظر..عربية خبطتني من كام شهر ودخلت المستشفي ومن يومها عينيا  ما سلمتش".
 
 قرابة الساعة مكثت وأمي وبيننا كميل وشقيقته مني، نجتر ذكريات العشرة القديمة تارة، ونطمئن علي عموم أحوال الأهل أخري، قبل أن تدير دفة الحديث باتجاه كميل قائلة له :" لما اموت، ولدي "حوده" هيعملي نعي في الجورنال، أنا مرضعاه وموصياه، وهووعدني"، وضحكت فضحكنا، قبل الدعاء لها بطول العمر، ثم استئذنت بالإنصراف مهنئا بعيد الميلاد المجيد.
 
كتبت هذ المقال بنصه الحرفي هنا وفي نفس المكان في الثامن عشر من يناير 2018، تحت عنوان "زيارة الي أم كميل" اعيد كتابته اليوم وبنصه، وفاء لمن أرضعتني ناعيا، بعدما طلبت راجية حال حياتها أن أخط بقلمي نعيها، بالصحيفة التي أتشرف بالإنتساب إليها، حال وفاتها فوعدتها، وها أنا بعد أن لقيت ربها منتصف رمضان، أصدقها الوعد وأنعيها، رحمها الله  وقدس روحها، ولا أقول فيها إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا اليه راجعون، وكما قال أخي كميل: الدوام لله.
 
 
 
 

ترشيحاتنا